ينشر الجيش الإسرائيلي عشرات الحواجز في الضفة الغربية، بدعوى حماية «العمق» الإسرائيلي، أي حفاظا على أمن الإسرائيليين، لكن هذه الحواجز التي تزيد عن 500 تتحول في أغلب الأحيان من حواجز، ليس فقط لتنغيص حياة الفلسطينيين وحسب، بل إلى «فخ» للشبان الفلسطينيين لتجنيدهم لحساب المخابرات الإسرائيلية.
وتسمح هذه الحواجز للجنود الإسرائيليين بالتدقيق في هويات المارين واحدا واحدا، وبالعادة يفحص هؤلاء الجنود أسماء الشبان عند المخابرات الإسرائيلية، التي توصي بمقابلة البعض واعتقال البعض الآخر أو إطلاق سراحهم.
وأحيانا يحلو للجنود على حاجر ما احتجاز البعض عدة ساعات قبل أن يطلقوا سراحهم، وأحيانا أخرى يحلو لهم إغلاق الحاجز، مما يضطر المارين إلى الانتظار لساعات قبل أن يسمح الجنود مجددا بفتح الحاجز.
لذلك، ليس غريبا أن يحرص الفلسطينيون على سؤال أصحاب سيارات الأجرة عن حال حاجز ينوون عبوره، وعن مزاج الجنود في ذلك الوقت، وحسب الإجابة يقررون ما إذا كانون سيسافرون أم لا.
وكل عدة ساعات يتغير جنود الحاجز، ويقول سائقو السيارات العمومية الذين يمرون عدة مرات عن الحاجز الواحد إنهم يفضلون مجموعة على أخرى، «فبعضهم أصحاب مزاج جيد».
وقد يضطر الفلسطينيون إلى عبور أكثر من حاجز واحد خلال مسافة قصيرة، إذ ينشر الإسرائيليون، بالإضافة إلى الحواجز التي تتحول إلى بوابات على مداخل المدن، حواجز ثابتة في الطرقات السريعة في الضفة الغربية وأخرى يطلقون عليها طيارة.
كل هذه الإجراءات، وأكثر، تجعل من السفر من مدينة إلى أخرى مهمة شاقة أحيانا، وهذا يسهل على الإسرائيلين اصطياد البعض، تحت ذريعة منحه تصريحا للمرور وتسهيل مهمته أو تنقله وبضائعه من مدينة إلى أخرى. وقال عنان، 28 عاما، الذي كان عائدا من الخليل إلى بيت لحم، أوقف الجنود على حاجز مستوطنة عتصيون سيارتهم، وبعد التدقيق بهوياتهم سلموه ورقة بأن يراجع المخابرات في مقرها بعتصيون، بعد يومين في الساعة العاشرة صباحا. وشرح عنان لـ «الشرق الأوسط» ما حدث معه، فقال: «انتظرت لأكثر من 3 ساعات، سألوني أين أسكن، ولماذا كنت في الخليل، وماذا أعمل، وعندما عرفوا أني أعمل في مجال الكومبيوتر سألوني عن دخلي الشهري، وقال لي ضابط المخابرات: (الحياة صعبة، ونحن مستعدون أن نمنحك تصريحا للتحرك بسهولة، وسنفتح لك شركة في رام الله، وستجني أرباحا طائلة، سنجعل حياتك أفضل.. ولا نريد منك شيئا الآن.. لكن في وقت لاحق ربما نسألك عن بعض الأمور، ونريدك أن تتعاون معنا)».
وأحيانا يكتفي الضابط بهذه المحاولة إذا لم يستجِب الطرف الآخر، لكن بعضهم يطلب رقم جوالاتهم ويلاحقونهم بالاتصالات والعروض.
وقال مازن لـ«الشرق الأوسط»، إن أحد ضباط المخابرات ظل يتصل به لعدة أيام، وأحيانا يطلب منه أن يفكر جيدا، ويقول له إنه مستعد لتقديم كل ما يطلبه، وأحيانا أخرى يهدده. وأضاف: «في بعض الأوقات كان يتصل ويعرض علي بنات وما شابه، وأحيانا كان يشتمني عندما يفقد الأمل». ولم يجد مازن حلا إلا أن يغير أرقامه، ومنذ ذلك الوقت لم يتصل به أحد.
وطور الإسرائيليون من أساليبهم مؤخرا لتجنيد «عملاء»، ويبدو أنهم فضلوا أن يأتوا بأنفسهم للشبان الفلسطينيين بدل أن ينتظروهم في مراكز تحقيق محددة. فعلى حاجز عناب شرق مدينة طولكرم شمال الضفة أصبح ضابط المخابرات يداوم على الحاجز لعدة ساعات يوميا، كما أفاد عدد من الشبان الذين تمت مساومتهم مؤخرا. وقال محمد الطالب في جامعة النجاح في نابلس لـ«الشرق الأوسط»، إنه وبينما كان في طريقه إلى الجامعة قبل يومين صعد جنود الحاجز إلى الحافلة التي يستقلها واختاروا عددا من الشبان، كان محمد من بينهم، وطلبوهم لمقابلة المخابرات مباشرة. وأضاف: «على غير العادة كان ضابط المخابرات موجودا في المكان، وسألني مباشرة عن حالتي الاقتصادية، وعندما قلت له إنها ممتازة فوجئ، وقال لي إنه موجود هنا (على الحاجز) باستمرار ومستعد لأي مساعدة، ثم طلب رقم جوالي وسمح لي بالعودة إلى الحافلة».
وبحسب محمد وشهادات آخرين فإن الجنود يستغلون عادة فقر واحتياج البعض ويعرضون إغراءات مالية. لكن تجربة الانتفاضة الأخيرة كشفت أن الثمن الذي يدفعه الإسرائيليون لقاء المعلومات التي يتلقونها من عملائهم هو ثمن بخس، واعترف بعض العملاء لدى التحقيق معهم من قبل السلطة الفلسطينية أو فصائل المقاومة، أنهم تلقوا مبالغ لا تزيد عن 50 دولارا مقابل الإبلاغ عن ناشطين تم اغتيالهم لاحقا.
ودلت هذه التحقيقات أيضا أن بداية الارتباط مع الإسرائيليين كانت لأسباب تتعلق بالمال والحصول على تصاريح دخول إلى إسرائيل، وخدمات أخرى بعضها جنسي.